◄ اقتراح بإنشاء بوابة وطنية تتبع "الهيئة" لربط جميع المنصات في واجهة واحدة وشاملة
◄ الحجري: إنشاء "الهيئة" يؤكد التزام عُمان بتعزيز الحوكمة ورفع كفاءة الإنفاق العام
◄ "هيئة المشاريع" تسهم في إعادة توجيه سياسات الشراء والمناقصات
◄ "الهيئة" ستعمل على تحويل الإنفاق الحكومي لأداة جذب قوية لصناعات متقدمة لدعم التوطين
◄ عُمان قطعت شوطًا مهمًا في بناء الأُطر المؤسسية المرتبطة بالمحتوى المحلي
◄ الصين أبرز تجربة دولية نجحت في تحقيق التكامل بين السياسات المالية والاقتصادية
◄ الحوسنية: ضرورة دمج أهداف القيمة المحلية المضافة في مراحل التخطيط الاقتصادي والميزانيات العامة
◄ الربط بين الأبحاث الأكاديمية ودوائر صنع القرار لا يزال ضعيفًا
الرؤية- ريم الحامدية
بالتزامن مع صدور المرسوم السلطاني القاضي بتعديل مسمى الأمانة العامة لمجلس المناقصات إلى "هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي" وتحديد اختصاصاتها واعتماد هيكلها التنظيمي الجديد، شهدت مجموعة "قيمة" المتخصصة في القيمة المحلية المضافة والمحتوى المحلي، نقاشًا مُعمَّقًا عبر تطبيق "واتساب"، حول واقع المنصات الرقمية الداعمة للمحتوى المحلي في سلطنة عُمان، والتحديات التي تواجهها، والآفاق المستقبلية لتطويرها بما يتوافق مع تطلعات رؤية "عُمان 2040".
وتركَّز النقاش على المنصات الرقمية التي أطلقتها مؤسسات حكومية وخاصة مختلفة بهدف دعم وتمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز القيمة المحلية المضافة. وقد شملت هذه المنصات "توطين" التابعة لوزارة العمل، والتي تهدف إلى ربط العُمانيين بفرص العمل وتعزيز نسب التعمين، إضافة إلى منصة "إسناد" المعنية بإدارة المشتريات والمناقصات الحكومية، والتي تستخدمها أكثر من 75 جهة حكومية وتُسجّل فيها أكثر من 2400 مؤسسة صغيرة ومتوسطة. كما ناقش المشاركون نظام "JSRS" الخاص بتسجيل واعتماد الموردين في قطاع الطاقة والمعادن، ونظام "MARS" الذي يُعنى برصد تنفيذ التزامات القيمة المحلية المضافة، ومنصة "قِمَم" التي أطلقها جهاز الاستثمار العُماني للشركات التابعه له لرفع تقارير الأداء، إضافة إلى منصة "إنتاجي"التابعة لشركة عُمران لتسويق المنتجات المحلية.
التكامل المؤسسي
وقد أجمع المشاركون على أن تعدد هذه المنصات واختلاف الجهات المشغّلة لها قد أدى إلى تشتّت الجهود وتضارب البيانات؛ مما أضعف من فعالية هذه الأدوات الرقمية في تحقيق أهدافها. وأشار عدد من المختصين إلى أن غياب التكامل المؤسسي وافتقار المنصات إلى قاعدة بيانات موحدة ومحدثة يعوقان قدرة الجهات على استثمار هذه الأدوات بالشكل الأمثل.
وانتقد المشاركون محدودية الشفافية في بعض المنصات، لا سيما فيما يتعلق بنشر تفاصيل العقود ونسب التعمين وأعداد المؤسسات العُمانية المستفيدة مطالبين بالشفافية في نشر مؤشرات إجمالي العقود ونسب التعمين والمشتريات والخدمات المحلية، مؤكدين أن هذه البيانات أساسية لاتخاذ قرارات فعالة واغتنام الفرص المتاحة. وفي ظل هذا التحدي، طرح النقاش مقترحًا بإطلاق منصة وطنية موحّدة ذات طابع سيادي، تُدار من قبل الهيئة وتُعنى بتجميع وربط جميع المنصات الحالية في واجهة واحدة شاملة وسهلة الاستخدام، على أن توفّر هذه المنصة أدوات تحليل ذكية وتقارير متابعة دورية تعكس الأداء الحقيقي للمحتوى المحلي.
وتطرقت المداخلات إلى أهمية إشراك روّاد الأعمال في تصميم وتطوير هذه المنصات لضمان توافقها مع احتياجات السوق المحلي، إلى جانب الدعوة إلى توفير بيانات مفتوحة وشفافة حول العقود والمناقصات ومؤشرات الأداء مساهمة في خلق فرص استثمارية تساعد الجهات بالترويج لها، بما يسهم في رفع درجة التمكين الاقتصادي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وأكّد المشاركون في مجموعة "قيمة" ضرورة أن تضطلع الهيئة الجديدة (هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي) بدور قيادي في هذا الجانب، عبر رسم سياسات موحدة للإشراف على المنصات الرقمية، وضمان تكاملها، وتقديم تقارير متابعة دقيقة، بما يواكب مستهدفات الرؤية الوطنية في تنويع مصادر الدخل وتعظيم القيمة المحلية في الاقتصاد الوطني بمختلف القطاعات بحسب طبيعتها.
واتسم النقاش في هذه المجموعة بالحيوية والواقعية، وشارك فيه مختصون من مختلف القطاعات، حيث أجمعوا على أن الوقت قد حان للانتقال من مرحلة التعدد والتجريب إلى مرحلة التوحيد والتكامل، عبر منصة وطنية موحّدة تعكس طموحات المرحلة المقبلة وتلبي احتياجات جميع الأطراف المعنية.
نقلة نوعية
وفي تصريحات خاصة لـ"الرؤية"، قال الدكتور أحمد الحجري أستاذ مساعد في المحتوى المحلي والتنمية الاقتصادية بجامعة السلطان قابوس، إن المرسوم السلطاني رقم (57/ 2025) بإنشاء "هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي" يُجسِّد نقلة نوعية في بنية الدولة المؤسسية، ويؤكد التزام سلطنة عُمان بتعزيز الحوكمة ورفع كفاءة الإنفاق العام وتوجيهه نحو تحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040"، خاصةً فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية المُستدامة وتعظيم القيمة المحلية. وأكد أن هذا التحول لا يقتصر على الجانب الإداري فحسب؛ بل يُعيد توجيه سياسات الشراء والمناقصات لتكون أداة فاعلة في التوطين وتعزيز النمو الاقتصادي.
وأضاف الحجري أن هذا التحوُّل يُتيح مواءمة أعمق بين منظومة المشتريات وتوطين سلاسل الإمداد؛ نظرًا لإمكانية تحويل حجم الإنفاق الحكومي إلى أداة جذب قوية مدعومة بمنظومة حوافز ذكية، تستهدف استقطاب صناعات مُتقدِّمة في مجالات متعددة تدعم أهداف التوطين وتعزز القاعدة الإنتاجية الوطنية. وبيّن أن من شأن ذلك أن يُعزز من قدرة الحكومة على تصميم برامج استراتيجية لتمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ليس فقط من خلال التخصيص المباشر، وإنما عبر بناء قدرات تنافسية مستدامة ترتكز على الابتكار والدخول الفاعل في سلاسل القيمة.
وأوضح الحجري أن هذا التوجه ينسجم مع التجارب الدولية، ومن بينها التجربة السعودية التي قامت بتأسيس كيانات مؤسسية متخصصة تُعنى بالمحتوى المحلي؛ ضمن أُطر رؤى تنموية واضحة، وهو ما يُعد مؤشرًا على نضج السياسات وربطها المباشر بأهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأشار إلى أن نجاح الهيئة الجديدة سيعتمد إلى حدٍ كبير على مدى قدرتها على تنسيق الجهود بين مختلف الجهات الوطنية القائمة، مثل: “مجد” في قطاع الطاقة، و”تصنيع” في وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، و”قمم”، وغيرها من البرامج، لضمان عدم الازدواجية وتحقيق التكامل المؤسسي.
ولفت إلى أهمية دمج منظومة المحتوى المحلي في الخطة الخمسية الحادية عشرة (2026-2030)، وربطها باستراتيجية تنمية المحافظات؛ الأمر الذي من شأنه أن يُسهم في تحقيق العدالة في توزيع الفرص وتعظيم الأثر التنموي على المستويين الجغرافي والقطاعي، مشددًا على أن الهيئة تمتلك موقعًا حيويًا يمكنها من تطوير استراتيجيات متخصصة للتعامل مع أنماط الإنفاق المختلفة.
تعظيم القيمة المحلية
وبيّن الحجري أن فاعلية المحتوى المحلي تعتمد بدرجة كبيرة على فهم هذه الأنماط وتوجيهها بالشكل الصحيح، فهناك الإنفاق الحكومي، وهو الأوسع تأثيرًا، ويقع ضمن القرار السيادي، ما يستدعي إطارًا وطنيًا يحوّل هذا الإنفاق إلى أداة استراتيجية لتعظيم القيمة المحلية، إلى جانب إنفاق القطاع الخاص الذي يتطلب منهجية مرنة تراعي تنوع نماذج الحوكمة بين الشركات العالمية والمحلية. وأشار إلى أهمية الإنفاق الفردي- سواء من الأسر أو المُستهلكين أو السُيَّاح- والذي يمكن أن يُوظّف بدوره لدعم المنتجات المحلية، من خلال السياسات التحفيزية والتوعية الاقتصادية التي تُعزز مبدأ المواطنة الاقتصادية.
وفيما يتعلق بالتحديات، أكد الحجري أن سلطنة عُمان شهدت في السنوات الأخيرة تطورًا ملموسًا في بناء منصات داعمة للمحتوى المحلي، مثل منصة إسناد للمناقصات الحكومية، وتوطين، وJSRS وMARS في قطاع الطاقة، إضافة إلى منصات أخرى كمنصة قمم ومنصة إنتاجي. لكنه أوضح أن هذه الجهود، رغم أهميتها، لا تزال بحاجة إلى قدر أكبر من التكامل المؤسسي والتقني لضمان فعالية الأداء وتفادي التكرار وضياع البيانات.
وأضاف أن النقاشات التي طُرحت مؤخرًا في منصة “قِيمة” تعكس وعيًا استراتيجيًا متقدمًا، حيث دعت إلى مواءمة أفضل بين المنصات المختلفة تحت مظلة رؤية وطنية موحدة، والانتقال من التركيز على الجوانب التقنية إلى بناء بيئة مؤسسية داعمة لحوكمة المحتوى المحلي. وأشار إلى أن من أهم الخطوات المطلوبة لتعزيز هذه الجهود تطوير قاعدة بيانات وطنية محدثة وموحدة تشمل مؤشرات مثل نسب التعمين، أداء الموردين، وحجم الإنفاق المحلي.
وشدد الحجري على أن نجاح هذا المسار يتطلب وجود جهة إشراف وطنية تُعنى بالحوكمة الرقمية والتكامل بين المبادرات المختلفة، وأن هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي يُمكن أن تضطلع بهذا الدور الحيوي في حال توافر الإطار المؤسسي والتشاركي المناسب. كما أكد أن بناء منصة وطنية موحدة لا يمكن اختزاله في الوظائف الإدارية، بل يتطلب أيضًا جاهزية تقنية عالية تتضمن أدوات الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، وتحليل البيانات الكبيرة لتقديم توصيات تنبؤية تدعم صنع القرار. وأوضح الحجري أن إشراك الكفاءات الوطنية في تصميم وتشغيل هذه المنصة أمر أساسي لضمان استقلالها الاستراتيجي واستدامتها وفعاليتها، مشيرًا إلى أن نجاح هذه الخطوة يتوقف على أن تكون المنصة وطنية ليس فقط في ملكيتها، بل أيضًا في جوهرها التقني وهويتها التشغيلية.
وفيما يخص تكامل السياسات والأطر التنظيمية، أكد الحجري أن سلطنة عُمان قطعت شوطًا مهمًا في بناء الأطر المؤسسية المرتبطة بالمحتوى المحلي، إلا أن الوصول إلى مستوى تكاملي فعّال يتطلب مواءمة السياسات الكبرى مع الأدوات التنفيذية لدى الجهات الحكومية المختلفة. وأوضح أن من الضروري ربط سياسات المحتوى المحلي برؤية "عُمان 2040" والخطة الخمسية الحادية عشرة واستراتيجيات تنمية المحافظات؛ بما يُسهم في تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي وعدالة توزيع الفرص وتعزيز الاستدامة.
وأشار الحجري إلى أن التكامل يجب أن يشمل السياسات المالية والتجارية والصناعية والنقدية، إضافة إلى سياسات التعليم والتدريب والابتكار، بحيث تُبنى حزمة سياسات مترابطة تتكامل في أدواتها وتُعزز الأثر التنموي المطلوب. وأوضح أنه يمكن الاستفادة من مصفوفة السياسات التفاعلية (Policy Package Matrix) التي طوَّرها Andreoni وChang؛ باعتبارها أداة تحليلية تساعد على تشخيص التداخلات بين السياسات العامة واقتراح بدائل أكثر انسجامًا.
واختتم الحجري حديثه بالتأكيد على أن التجربة الصينية تُعد من أبرز النماذج التي نجحت في تطبيق هذا النوع من التكامل، عبر مواءمة أدوات التمويل، والابتكار، والمشتريات الحكومية ضمن رؤية استراتيجية واضحة، وهو ما مكّنها من بناء سلاسل قيمة محلية متقدمة. وأشار إلى أن سلطنة عُمان تملك من المقومات والكفاءات ما يُمكّنها من بناء نموذج وطني خاص بها، يعكس خصوصيتها التنموية ويعزّز مكانتها الاقتصادية إقليميًا ودوليًا.
استدامة التنمية
من جانبها قالت رحمة الحوسنية، باحثة دكتوراه في الاقتصاد السياسي، إنّ مفهوم القيمة المحلية المضافة في سلطنة عُمان لا ينبغي أن يظل مجرد شرط يُدرج في وثائق المناقصات أو أداة للتقييم التعاقدي، بل يجب أن يتحول إلى محور اقتصادي تنموي مستدام تقوده هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي. وأكدت الحوسنية أن هذا التحول يتطلب تعظيم دور الهيئة الجديدة لتكون جهة تنموية مُمكِّنة، لا رقابية فحسب؛ وذلك من خلال دمج أهداف القيمة المحلية المضافة في مراحل التخطيط الاقتصادي والميزانيات العامة، وتوجيه المشاريع الحكومية والخاصة لتكون أدوات لخلق فرص العمل وتطوير سلاسل التوريد المحلية وتحفيز الابتكار الصناعي.
وبيّنت الحوسنية أن من الآليات المقترحة لتحقيق هذا التحول: إنشاء منصة بيانات وطنية شفافة تجمع بين المنصات الموجودة حاليًا التي تخدم المحتوى المحلي، وتصنيف الشركات استنادًا إلى أدائها الفعلي في التوطين، وتوفير مراكز دعم فني للشركات الصغيرة والمتوسطة لرفع جاهزيتها التنافسية. كما شدّدت على أهمية أن تتبنى الهيئة سياسة متابعة صارمة لما بعد الترسية تضمن أن تنفيذ المحتوى المحلي يتم فعليًا، مع وجود حوافز وجزاءات واضحة. وأضافت: “يجب أيضًا تكثيف الجهود في عمل الورشات التوضيحية لأهداف المحتوى المحلي، والتركيز على التعاون المشترك والتنسيق الجيد بين الجهات الفاعلة”.
ولترسيخ هذا التحول بشكل استراتيجي، اقترحت الحوسنية أن تطلق الهيئة ما سمّته الاستراتيجية الوطنية للمحتوى المحلي، كخارطة طريق تُراجع دوريًا وتُربط ببرامج التعمين وسياسات الابتكار والتصنيع المحلي، بما يضمن أن القيمة المحلية المضافة تصبح ركيزة اقتصادية حقيقية ضمن رؤية "عُمان 2040"، لا عبئًا تعاقديًا يُلتف عليه.
قاعدة تشريعية
وأوضحت الحوسنية أن السلطنة تمتلك قاعدة تشريعية واضحة نسبيًا لتطبيق سياسة القيمة المحلية المضافة، خاصة بعد دمج مبادئ التوطين ضمن سياسات الشراء الحكومي و"دليل التقييم الفني للمناقصات". ومع ذلك، ترى الحوسنية أن بعض هذه التشريعات لا تزال تركز على الامتثال الشكلي أكثر من تحقيق النتائج الفعلية، مما يؤدي إلى استجابات سطحية من بعض الشركات. ولذلك، ينبغي ربط هذه القوانين بمؤشرات أداء واضحة وقابلة للقياس مع تجنب فرض نسب توطين جامدة قد لا تلائم خصوصية كل قطاع أو مشروع.
وتابعت الحوسنية أن جاهزية تطبيق المحتوى المحلي تختلف من قطاع إلى آخر، مشيرة إلى أن قطاع النفط والغاز يتوفر على بنية تحتية ناضجة نسبيًا وبيئة تنظيمية داعمة، كما يتضح في برامج تطوير الموردين المحليين لدى شركات مثل أوكسي (OXY) وشركة تنمية نفط عُمان (PDO)، وفي المقابل، تواجه قطاعات مثل: الإنشاءات والنقل والتقنية تحديات كبيرة، خاصةً فيما يتعلق بسلاسل الإمداد وضعف قدرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على تلبية المتطلبات الفنية والمعيارية.
وأكدت الحوسنية أن التطبيق الصارم دون تأهيل فعلي للسوق قد يؤدي إلى ارتفاع التكاليف وتأخير تنفيذ المشاريع أو حتى عزوف المستثمرين، مضيفة أن التحدي الأكبر يتمثل في إيجاد توازن بين جذب الاستثمارات وتطبيق سياسات التوطين. وأوضحت أن المستثمرين غالبًا ما ينظرون إلى المحتوى المحلي كعبء إضافي وليس كقيمة مضافة، ما لم يكن النظام مرنًا وشفافًا ويقدم حوافز مقابلة.
وحذّرت الحوسنية من أن الجاذبية الاستثمارية قد تتأثر سلبًا إذا استمرت مشكلات مثل تأخر إجراءات التراخيص أو الجمارك المرتبطة بمتطلبات القيمة المحلية، أو نقص الكفاءات المحلية، أو ضعف الشفافية في آليات التقييم والمنافسة. ولذلك، شددت الحوسنية على أن الحل لا يكمن في التخفيف من مبدأ المحتوى المحلي؛ بل في تطبيقه بذكاء، عبر التدرُّج بحسب القطاع والموقع الجغرافي، وتقديم إعفاءات مشروطة في المراحل الأولى مقابل نقل المعرفة لاحقًا، إلى جانب حوافز ملموسة مثل نقاط إضافية في التقييم، وتسهيلات ضريبية، أو دعم لوجستي للشركات الملتزمة فعليًا بالتوطين.
وأكدت الحوسنية أن البيئة التشريعية في سلطنة عُمان مهيأة جزئيًا لتطبيق فعال لمبادئ المحتوى المحلي، إلا أن ذلك يتطلب مرونة تشريعية ودعمًا اقتصاديًا للموردين المحليين ونظام حوافز ذكي للمستثمرين، بما يضمن تحقيق التوطين الحقيقي دون الإضرار بجاذبية الاستثمار وسرعة الإنجاز.
أدوار استراتيجية
وقالت باحثة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي إن المؤسسات الأكاديمية والبحثية يمكن أن تؤدي دورًا استراتيجيًا في دعم الهيئة، وذلك عبر إنتاج المعرفة وتحليل السياسات وبناء الأدلة التجريبية التي تُمكّن الهيئة من اتخاذ قرارات مستنيرة. ودعت إلى عدم اكتفاء هذه المؤسسات بدور المراقب أو الناقد؛ بل أن تسهم فعليًا في تطوير أدوات تقييم محايدة ونماذج اقتصادية لقياس الأثر الفعلي لتطبيق سياسات القيمة المحلية المضافة على النمو الاقتصادي والتوظيف.
وأشارت الحوسنية إلى إمكانية إعداد دراسات قطاعية تستكشف سبل التوطين الذكي في سلاسل الإمداد، إلى جانب اقتراح آليات مرنة لتصميم العقود والمناقصات تراعي خصوصية السوق العُماني وتحفّز الابتكار المحلي. لكنها في الوقت ذاته لفتت إلى وجود فجوة معرفية واضحة تتعلق بندرة الدراسات المتعمقة خارج قطاع النفط والغاز، وغياب قواعد بيانات وطنية موحدة تُمكن من تحليل الأثر الحقيقي للتوطين.
وأضافت أن الربط بين الأبحاث الأكاديمية ودوائر صنع القرار لا يزال ضعيفًا، وهو ما يتطلب بناء جسور مؤسسية أكثر فاعلية بين الهيئة والجامعات؛ سواء عبر وحدات بحثية مشتركة أو برامج تدريبية أو تمويل أبحاث تطبيقية موجهة.
واختتمت الحوسنية حديثها بالتأكيد على أن ردم هذه الفجوة المعرفية ليس ترفًا؛ بل هو شرط أساسي لتحويل القيمة المحلية المضافة إلى أداة استراتيجية قائمة على الأدلة، لا مجرد التزام نظري في وثائق التوريد.